الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة وكل رجلا على طلب غلامه فلان أو على أمته: وكذلك لو وكله على طلب دابة؟ قال: نعم، هو كذلك في جميع الأشياء. قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الشهادة على الصفة في التوكيل على طلب العبد الآبق والجمل الشارد والدابة الضالة والمسروقة أو السلعة المسروقة تنوب مناب الشهادة على العين لتعذر الشهادة على العين حسبما ذكرناه في نوازل عيسى بيانا لقوله فيها إن الوكيل على طلب العبد الآبق والخصومة فيه لا يمكن من إيقاع البينة عليه أنه للذي وكله حتى يشهد له الشهود إنه وكل على طلب هذا العبد بعينه والخصومة فيه. .مسألة أبضع مع رجل مالا فخرج إليه اللصوص فلما رمقوه ألقى البضاعة: قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن خروج اللصوص إليه في السفر كخراب منزله في الحضر. وقد مضى هذا المعنى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، وبالله سبحانه التوفيق. .مسألة المبضوع معه إذا أراد الإقامة فاشترى له ما أمره به ثم سيره مع من يثق به: قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم شك في طوافة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. .مسألة يبضع معه البضاعة هل يستسلف منها: محمد بن أحمد: قوله في الملي لا بأس أن يستسلف من البضاعة التي عنده، يريد مع أن يشهد مع ذلك، قاله في سماع أشهب من كتاب الوديعة بعد أن روجع في ذلك لما سئل عنه فقال: ترك ذلك أحب إلي. وأما غير الملي الذي لا وفاء عنده فلا إشكال في أنه لا يجوز أن يستسلف منها. واختلف إن استسلف منها هل يصدق في أنه ردها على أربعة أقوال قد ذكرناها في سماع أشهب من كتاب الوديعة، إلا أن يقول له صاحبها إن احتجت إلى شيء منها فتسلفه فلا يصدق في ردها قولا واحدا. .مسألة يكون له الوكيل في البلد يبيع له متاعه فيموت صاحب المتاع قبل قبض الثمن: قال محمد بن رشد: في الواضحة لمطرف وابن الماجشون أن الوكالة لا تنفسخ بموت الموكل، وأنه على وكالته ويجوز قبضه وخصومته ودفعه حتى يعزله الوارث أو يوكل غيره. وقال أصبغ تنفسخ الوكالة بموت الآمر ولا يجوز خصومته ولا القيام بضيعته حتى يوكله الوارث، إلا أن يموت عندما أشرف الوكيل على تمام الخصومة بالحكم له أو عليه بحيث لو أراد الميت فسخ وكالته ويخاصم هو أو يوكل غيره لم يكن له ذلك. وما كان من يمين كانت تجب على الميت حلفها الوارث إن كان فيهم من قد بلغ علم ذلك، وبقول أصبغ قال ابن حبيب، وهو مثل قول ابن القاسم في هذه الرواية. تفرقة أصبغ فيها قول ثالث في المسألة، وهي تفرقة ضعيفة إذا ثبت أن المال للميت أو علم بذلك الوكيل، وهي نحو قول أشهب المتقدم في سماع سحنون في انفصال الشريكين عن الشركة إن وكالة البائع منهما لا تنفسخ بالانفصال عنها. فإن قضى غريم من الغرماء الوكيل بعد موت الموكل على القول بأن الوكالة تنفسخ بموته وهو عالم بموته ضمن باتفاق؛ لأنه متعلم بالدفع إلى من علم أنه غير وكيل. وأما إن لم يعلم بموته ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه يضمن علم الوكيل بموته أو لم يعلم، وهو الذي يأتي على قياس ظاهر قول ابن القاسم في كتاب الشركة من المدونة وفي عزل الوكيل؛ والثاني أنه لا يضمن علم الوكيل بموته أو لم يعلم، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في كتاب الشركة في مسألة انفصال الشريكين عن الشركة؛ والثالث أنه يضمن إن علم الوكيل بموت الموكل ولا يضمن إن لم يعلم بموته، وهو قول أشهب. وقد تأول ذلك على ابن القاسم في مسألة عزل الوكيل في المدونة. وقد مضى تحصيل هذا الخلاف وتوجيهه في سماع سحنون فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة دفع إلى رجل ثوبا يبيعه له بعشرة فقطعه على نفسه: قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضت والقول عليها مستوفى في رسم استأذن من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. .مسألة يدفع إلى الرجل السلعة يبيعها له ولا يسمي له شيئا فيبيعها له بدراهم: قال محمد بن رشد: أجاز أشهب بيعه السلعة بالدراهم ولم يشترط ما اشترط أصبغ من أن يكون باعها من الدراهم بصرف ما تباع به من الدنانير، فظاهره خلاف لقوله وأنه إذا باعها بقيمتها من الدراهم أو بأقل من قيمتها بما يتغابن الناس فيه في البيوع لم يكن عليه ضمان وإن كان ذلك أقل من صرف ما يباع به من الدنانير، ولم يجزه أصبغ أيضا وإن باعها من الدراهم بصرف ما تباع به من الدنانير إلا استحسانا من أجل أن الدنانير والدراهم عين، والقياس عنده ألا يجوز ذلك إذا كان البلد لا تباع السلع فيه إلا بالدنانير أو كانت السلعة لا يباع مثلها إلا بالدنانير. وقد رأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة معناها إذا كان ببلد تباع فيه السلع بالدراهم، فأما إن كان البلد لا تباع فيه السلع بالدراهم فلا يجوز ذلك على الآمر. وليس قوله عندي بصحيح؛ لأن الكلام وموضع السؤال إنما هو إذا كان البلد لا تباع السلع فيه بالدراهم أو كانت السلع لا تباع مثلها إلا بالدنانير، فأجاز ذلك أشهب لوجهين: أحدهما أن الدنانير والدراهم عين، والعين هو الثمن، فإذا باع سلعته بما تباع به من العين لم يكن عليه ضمان، والثاني أن صرف الدراهم ليس مما يغبن فيه، وقد كان يقول مالك إنه إذا باع الرجل سلعة الرجل بما يشبه الذهب والورق من العرض التي لا يعنى في بيعها نفذ البيع ولم يرد. وقد قال إنه إذا كان الذي باع به مما يعنى في بيعه فعلى المتعدي بيعه، ثم رجع مالك بعد ذلك فقال إنه لا ينفذ بيعه إذا باع بغير الذهب والورق. وقع هذا الاختلاف في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات. وأما إذا كانت البلد تباع فيه السلع بالدراهم فلم يتعد المأمور إذا باع بالدراهم. ويتخرج على ما ذكرناه في بيع السلعة بالدراهم في البلد الذي لا تباع فيه إلا بالدنانير ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك لا يلزم رب السلعة ويأخذ سلعته إن لم يرد أن يجيز البيع إلا أن يفوت فيكون له على المتعدي قيمتها من الدنانير؛ والثاني أن البيع يلزمه وينفذ عليه ويكون من حقه على المتعدي أن يصرف له الدراهم بدنانير، والثالث أن البيع يلزمه وينفذ عليه ولا يكون له فيه كلام؛ لأن الدراهم عين كالدنانير، وبالله التوفيق. .مسألة يأمر الرجل يشتري له سلعة فلان بخمسة عشر فيشتريها بستة عشر: قال محمد بن رشد: قول أصبغ وأرى أن يحلف خلاف ظاهر وقول أشهب، وهي يمين تهمة، فالاختلاف فيها على الاختلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة. وأما استحسانه أن يكون الأمر عليه فيها بالخيار، إن شاء زاده الدينار وأخذها فهو بعيد، إذ لا يلزمه أن يشتريها له بأكثر مما أمره به ويزيد عنه من ماله، وإنما له أن يفعل ذلك إن شاء فلا يكون من حق الآمر أن يلزم المأمور فعل معروف لم يطع به ولا أقر أنه فعله. وقد اختلف إن اشتراها بالذي أمره أن يشتريها به دون زيادة فقال اشتريتها لنفسي وفسخت وكالتك عني، فقيل ليس ذلك له وتكون السلعة للآمر إلا أن يعلمه قبل أن يشتريها أنه لا يشتريها له وإنما يشتريها لنفسه، وهو قول ابن القاسم وأصبغ في الثمانية، وقيل إن السلعة تكون له وإن لم يتبرأ إليه من وكالته إياه إذا أشهد قبل الشراء أنه إنما يشتريها لنفسه. وقع هذا القول في الثمانية أيضا. وروى محمد بن يحيى السبائي عن مالك أن السلعة تكون له إذا زعم أنه اشتراها لنفسه وإن لم يشهد على ذلك قبل الشراء، ويحلف على ذلك إن اتهم. وقد ذكرنا هذا الاختلاف في نوازل عيسى، وبالله تعالى التوفيق. .مسألة وكل وكيلا يقبض ثمن طعام له فلما حل الأجل قبض الوكيل الثمن وأنفقه: قال: لا بأس بذلك، قد كان يجوز له أن يشتري من الوكيل أو من غيره بثمن ذلك الطعام طعاما وإداما. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لا إشكال في جوازه؛ لأنه إنما أخذ الطعام من غير الذي باعه منه بالثمن الذي قبضه له من الطعام الذي باعه، فلا يدخل ذلك وجه من وجوه المكروه في بيوع الآجال، وبالله تعالى التوفيق. .مسألة وكيل لرجل في ضياعه يكرى ويبيع قدم عليه وكيل آخر بعزله فأراد محاسبته: قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن وكيل لرجل في ضياعه له المساكن والمزارع والضياع يكرى ويبيع قدم عليه وكيل آخر بعزله فأراد محاسبته وأخذ ما بقي في يديه من ذلك المال. قال: ذلك له، فزعم الوكيل الأول أن ناسا ممن يقبل منه ادعوا فسخ ما تقبلوا منه وأنهم تقبلوا حراما ويريدون خصومته، وقال: لا أدفع ما بيدي من المال الناض حتى يناقدني القوم. قال: ينظر فإن كان إن خاصموا كانت لهم التباعة فيما في يديه فالقول قوله وذلك له، وإن كان إن خاصموه كانت التباعة له قبلهم أو كانوا كفافا لا فضل لهم عنده كان عليه أن يعطي الوكيل القادم ما في يديه من المال إن شاء وإن أبى ويحمله على ما بقي قبل الناس السكان والمزارعين ويجمع بينهم، فإن أقروا له برئ، وإن لم يقروا له كان على الوكيل الأول البينة. فإن أقام البينة عليهم برئ أيضا وإلا ضمن؛ لأنه أتلف مال الرجل وقد أقر به أنه قبل هؤلاء وهؤلاء يجحدون، فهو ضامن لأنه أتلف حين لم يشهد، بمنزله سلعة دفعها إليه يبيعها له فقال بعتها من فلان بكذا وكذا أو جحد فلان. قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة بينة لا إشكال فيها ولا لبس في شيء من معانيها يفتقر إلى بيان وتفسير. .مسألة أبضع من رجل بعشرة دنانير يشتري له بها قمحا فاشترى شعيرا: قال محمد بن رشد: ظاهر قول ابن القاسم أنه اشترى الشعير لنفسه وهو يجد القمح الذي أبضع معه فيه، ولذلك قال: إن صاحب البضاعة إن شاء أن يأخذ الشعير أخذه. ولو لم يجد القمح فاشترى بالبضاعة الشعير لنفسه لم يكن لصاحب البضاعة أن يأخذه؛ لأنه كالمعتدي على الوديعة. وقد نص على ذلك ابن القاسم في سماع سحنون، فليس قوله في هذه المسألة بخلاف لقول أصبغ إلا بما تأول عليه لا بما ظهر من قوله ولا هو معلوم من مذهبه، بل المنصوص له مثل قول أصبغ فلا يلزمه تخطيئة أصبغ له، وبالله التوفيق. .مسألة تحاكم الواضع والمشتري إلى بعض أهل المشرق فألزم الواضع الوضيعة: قال أصبغ: سمعت أشهب يقول في الذي يبعث إلى الرجل وقول أشهب في الرواية ولو تحاكم الواضع والمشتري إلى بعض أهل المشرق فألزم الواضع الوضيعة في ماله لأنفذت له الوضيعة على البائع كما بالسلعة ليبيعها فيبيعها ثم يستوضعه المشتري فيضع له إن الوضيعة باطلة، وإن ربها بالخيار: إن شاء أجاز وإن شاء رجع على المشتري بماوضع له ولم يرجع على البائع الواضع بشيء. ويقول: ولو تحاكما الواضع والمشتري إلى بعض أهل المشرق فألزم الواضع الوضيعة في ماله لأنفذت له الوضيعة على البائع كما حكم ولم أرد حكمه ولم أر لربها على المشتري شيئا. ونزلت هذه به في نفسه وهو المشتري فتحاكما فحكم له على ما وصفنا ثم قدم ربها فتورع أشهب فيها بعد حين فصالح ربها بنصف الوضيعة أو أكثر قليلا وقال تخلج في نفسي شيء منها وإن كنت أراها لازمة للبائع الواضع كما حكم لي، وأعطى صاحبها ما صالحه به بحضرتنا وتحلله وأشهدنا عليه. قال محمد بن رشد: قول أشهب في هذه المسألة إن الوضيعة باطلة وإن ربها بالخيار إن شاء أجاز وإن شاء رجع على المشتري بما وضع له ولم يرجع على البائع الواضع بشيء، يريد إلا يجد عند المشتري فاتبعه به، هو مثل قول غير ابن القاسم في مسألة المحاباة في الكراء إن الأخ يرجع على المحابى مال فيرجع على الأخ المحابي، يريد فيغرم ويتبع بما غرم المحابي، فهو قول أشهب بدليل قوله هذا والله أعلم. ومثل قول ابن القاسم في كتاب الشركة خلاف المشهور المعلوم من مذهبه في كتاب الاستحقاق وكتاب الخصب من المدونة وكتاب كراء الدور منها. وفي رسم العرية من سماع عيسى في الغاصب يغصب الشاة يهديها لقوم ويقوم صاحبها وقد أكلها الذين أهديت إليهم أن الغاصب إن كان بها مليا فهي عليه غرم وليس على الذين أهديت إليهم شيء، يريد وإن كان الغاصب معدما يرجع على الذين أهديت إليهم اتبع الذين أهديت إليهم بذلك الغاصب. حكم ولم أرد حكمه ولم أر لربها على المشتري شيئا صحيح لأنه حكم باجتهاد فيما لا نص فيه. وهذا الذي حكى عن بعض أهل المشرق من الحكم على الواضع بالوضيعة هو المشهور من مذهب ابن القاسم الذي حكيناه. وفي قول أشهب وإن كنت أراها لازمة للبائع الواضع كما حكم لي وإن كان مذهبه خلاف ذلك دليل واضح على اعتقاده لتصويب المجتهدين فيما اختلفوا فيه باجتهادهم. .مسألة يوكل الرجل على حق له ببلد فيذهب إليه يخاصم له فيه الذي هو عليه: قلت: فإذا قضيت عليه الساعة بالغرم ثم وجد صاحبه بعد ذلك أيحلف له؟ قال نعم. قيل: فإن نكل عن اليمين؟ قال: إن نكل حلف المطلوب الذي غرم ويبرأه من الحق ويعدى عليه بالذي كان قبض منه وكيله. وإن حلف تم حقه وكان قضاء قد مضى. قيل له: فإن مات الذي كان له الحق قبل أن يحلفه المطلوب الذي غرم وقد كان له أن يحلفه ففاته بالموت؟ قال: يحلف ورثته على علمهم أنهم ما علموه قضاه. قال محمد بن رشد: قوله فخاصمه وثبت عليه الحق يدل على أنه كان منكرا حتى ثبت عليه. وإيجاب اليمين على الطالب له في دعوى القضاء بعد إنكار الدين أصل قد اختلف فيه قول مالك، من ذلك مسألة رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك في الذي يقول لامرأته أمرك بيدك فتقول قد طلقت نفسي ثلاثا فيقول لم أرد الطلاق ثم يقول بعد ذلك أردت واحدة إنه يحلف على نيته ويلزمه تطلقة واحدة. وأنكر ذلك هناك أصبغ فقال: هذا عندنا وهم من السماع، ولا تقبل منه نيته بعد أن قال لم أرد شيئا، والقضاء ما قضت المرأة من البتات. فإيجابه اليمين على الطالب في هذه المسألة بقوله ويرجأ له اليمين يحلفها إياه إن شاء اختلاف من قوله في هذا الأصل، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك. من ذلك الذي يدعي عليه الوديعة فيجحدها فتقوم عليه البينة بها فيدعي ضياعها أو ردها. والقولان قائمان من المدونة من كتاب اللعان وكتاب العتق الأول. وقوله إنه يقضي عليه بالحق وترجأ له اليمين يحلفها إياه معناه في البعيد الغيبة على ما قاله محمد بن عبد الحكم، فإنه فرق في ذلك بين قريب الغيبة وبعيدها. ولا اختلاف عندي في القريب الغيبة. وأما البعيد الغيبة فيتحصل فيها أربعة أقوال حسبما مضى القول فيه في رسم حمل صبيا من سماع عيسى قبل هذا، ومضى بيان ذلك أيضا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الأقضية، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. وقوله: وإن نكل الطالب حلف المطلوب الذي غرم وبرئ من الحق ويعدى عليه بالذي كان قبض وكيله إن كان قد دفعه إليه، وأما إن كان لم يدفعه إليه فقال في رسم حمل صبيا من سماع عيسى: ولا يرجع على الوكيل بشيء مليا كان أو معدما. ومعناه لا يلزمه أن يرجع عليه ويترك الرجوع على صاحب الحق، بل له أن يرجع عليه إن أحب، فإن رجع على صاحب الحق رجع صاحب الحق على الوكيل. أما قوله إذا مات الطالب قبل أن يحلف فإن له أن يحلف ورثته على علمهم أنهم ما علموه قضاه، قيل وإن لم يدع المطلوب عليهم العلم، وهو ظاهر قول أصبغ في هذه الرواية وقول مالك في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب الطلاق؛ وقيل بل إذا ادعى عليهم العلم على ما في كتاب النكاح الثاني وكتاب بيع الغرر من المدونة. وإنما يجب عليهم اليمين إذا كانوا ممن يظن بهم العلم على ما قال في كتاب العيوب والأقضية من المدونة، فإن نكلوا عن اليمين حلف المطلوب على ما يدعي معرفته من أنه قد دفعه لا على أن الورثة يعلمون أنه قد دفع، فهذه اليمين ترجع على غير الصفة التي نكل عنها الورثة. ولها نظائر كثيرة، فيختلف في لحوق هذه اليمين إذا لم يدع المطلوب عليهم العلم لأنها يمين تهمة، ولا يختلف في رجوعها على المطلوب لعلمه بما يحلف عليه كما يختلف في رجوع يمين التهمة، وبالله التوفيق. .مسألة أبضع مع رجل دنانير فضاعت بعد بلوغه: قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. .مسألة يبضع مع الرجل بالبضاعة من العروض ليبلغها إلى موضع أمره به: وأرأيت إن أمره المبضع أن يبيع البضاعة في بعض الطريق بموضع سماه له ويبلغ بالثمن إلى أهله، فلما أتى الموضع لم يعط بها ثمنا يرضيه فجعلها في الموضع نفسه عند رجل أمره ببيعها ومضى إلى بلده، وهذا كله بقوله، أتراه ضامنا في تركه البيع وتركه البضاعة ولم يؤمر بذلك فضاعت؟ وكيف لو لم يتركها ومضى إلى بلده، وهذا كله بقوله، أتراه ضامنا في تركه البيع وتركه البضاعة ولم يؤمر بذلك فضاعت؟ وكيف لو لم يتركها ومضى إلى بلده حيث أمره بدفع المال فأصيب في الطريق فذهبت منه، أتراه ضامنا أم لا ترى عليه شيئا إذا زعم، أنه إنما أراد النظر لصاحب البضاعة والتوفير عليه إذ لم يجد ثمنا يرضاه؟ وكيف إن أمره بثمن معلوم فلم يجد لها ذلك الثمن فخرج بها إلى بلده كما أعلمتك؟ وما الذي ترى له أن يصنع إن أتى الموضع الذي أمره بالبيع فيه فلم يجد فيه ثمنا يرضاه أو لم يجد الثمن الذي أمره به إن أمره بثمن؟ وكيف إن أشهد على جميع ما ذكرت لك وكان ما قال معروفا؟ قال أصبغ: أما الأمر الأول في تخليفه إياها ببعض الطريق كما ذكر من عجز أو خوف فلا أرى عليه شيئا، وأرى القول قوله إذا حلف على ذلك وخلفها عند مستودع اختيارا منه وحرزا عنده واجتهادا مع شيته أو غير شيته، كل ذلك سواء، وأراه بريئا على هذا هنا إن شاء الله، وخيرها لصاحبها وشرها عليه. وأما الذي أمره ببيعها فلم يبعها فأرى إن كان سأله ثمنا فلم يجده فلا شيء عليه، وهو مثل الأول إذا عجز وخلفها عن عجز أو عن أمر من صاحبها ألا يتجاوز بها؛ وإن كان لم يسم له ثمنا وقد أمره بالبيع ولا يجاوزه فترك ذلك وجاوزه بالسلعة إلى موضع آخر فأراه ضامنا وإن كان ذلك منه نظرا فيما يقول فلا يصدق. وإن كان لما ترك البيع أقرها بمكانها نظرا ليعاود البيع به ولم يجاوزها لما يرجوه فيما بعد ذلك، فقد لا يبيع الرجل عند أول سوم ويرجو غيره ويترك البيع به ثم لا يجد بعد ذلك بيعا فلا ضمان على هذا إذا كان على هذا هكذا وإنما خلفها لهذا وشبهه. وإن كان إنما أمره بالبيع به ولم يأمره بالتخلف وأهمل له المضي به إن لم يستبع له هناك فخلفها من غير عجز عنها ولا خوف لوجه بين لا يقدر معه على المضي بها وعذر بين فأراه ضامنا أيضا؟ قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة تشتمل على ثلاث مسائل: أحدها أن يبضع معه البضاعة من العروض ليبلغها إلى موضع سماه فيقدم الموضع دونها ويزعم أنه خاف عليها فتركها في الطريق مع متاعه أو بعض متاعه فخلص ببدنه، ولا يعلم ذلك إلا بقوله، فهذه المسألة جوابه فيها أنه مصدق مع يمينه أنه خلفها ببعض الطريق كما ذكر من عجزه أو خوف عند مستودع اختيارا منه وحرزا عنده واجتهادا مع شية أو غير شية ولا شيء عليه. فأما تصديقه أنه خاف عليها فاستودعها في الطريق نظرا لصاحبها فصواب لا اعتراض فيه، واليمين في ذلك إذا لم يكذبه صاحبه يمين تهمة يجري الأمر فيها على الاختلاف المعلوم في لحوقها من غير تحقيق الدعوى. وأما تصديقه أنه تركها في الطريق لعجزه عن حملها أو إسقاطه عنه الضمان بذلك فهو مثل قول ابن القاسم في رسم شك في طوافة من سماع ابن القاسم في الذي يبضع معه البضاعة إلى بلد آخر فلا يجد لها محملا معه فيعطيها لبعض من يثق به معه أنه لا ضمان عليه، وفيه نظر لأنه شبهه بالحاضر يستودع الوديعة فيستودعها غيره من خراب منزل أو عورة بيت أو ليس عنده من يحفظ منزله أنه لا ضمان عليه، وهي لمسألة المسافر أشبه؛ لأنه إذا دفعها إليه في السفر إنما دفعها إليه لتكون عنده ولا يستودعها غيره. فالذي يأتي فيها على مذهب مالك قياسا على قوله في المدونة في المسافر إنه ضامن للبضاعة إذا دفعها إلى غيره ليحملها وإن لم يجد هو لها محملا. ولهذا الذي ذكرناه لم ير سحنون قول ابن القاسم حسنا على ما قاله في الرسم المذكور. وكذلك يأتي على مذهبه في هذه المسألة أنه إن كان أخذها ليحملها فعجز عن حملها واستودعها في الطريق فتلفت له أنه ضامن لها. وأما المسألة الثانية وهي أن يأمره أن يبيع البضاعة بالطريق بثمن سماه ويبلغ بالثمن إلى أهله فلم يجد الثمن الذي سماه له في ذلك الموضع، فجوابه فيها أنه لا شيء عليه إذا تركها في ذلك الموضع عن عجز أو عن أمر من صاحبها ألا يجاوز بها ذلك المكان، يريد بعد يمينه أنه لم يجد بها في ذلك الموضع ذلك الثمن الذي سماه له، فإن لم يأمره صاحبها ألا يجاوز بها ذلك المكان فتركها فيه وهو غير عاجز عن حملها فتلفت ضمنها، فسواء قال له إن لم تستبع فاحملها أو سكت عن ذلك هو ضامن لها إن تركها في ذلك الموضع وهو قادر على حملها، إلا أن يخاف عليها في حملها. وإنما ذلك من أجل أنه أمره إن باعها أن يحمل الثمن، فدل ذلك من أمره على أنه أراد إن لم يبعها أن يحملها. ولو أمره أن يبيعها في الطريق ويدفع الثمن هناك إلى من سماه له لوجب أن يكون ضامنا لها إن لم تستبع فحملها مع نفسه إلا ألا يجد من يودعها عنده في ذلك الموضع فيكون ذلك عذرا يسقط عنه الضمان في حملها. وأما المسألة الثالثة وهي أن يأمره أن يبيع البضاعة بالطريق ويحمل الثمن مع نفسه إلى أهله ولا يسمى ما يبيعها به، فهذا جوابه فيها أنه لا شيء عليه في تركه إياها في ذلك الموضع ليعاود بها البيع إذ قد لا يبيع الرجل في أول سوم لما يرجوه من الزيادة وإن كان قد لا يجد فيها ذلك الثمن الذي تركه، وإن كان قال له إن لم تستبع فاحملها مع نفسك أو سكت عن ذلك. وأما إن قال له لا تحملها إن لم تستبع واتركها هناك فحملها فتلفت فهو ضامن لها. ولم يجب على ما سأله عنه إذا لم يجد بها ما يرضاه من الثمن فتركها عند رجل أمره ببيعها ومضى إلى بلده. والجواب في ذلك أنه ضامن لها إن تلفت؛ لأن الوكيل على البيع ليس له أن يوكل غيره عليه. وقد مضى الكلام على هذا في رسم الصرف من سماع يحيى. وقد مضى الكلام إذا لم يستبع فتركها في ذلك الموضع مودعة وأن الحكم في ذلك أن يكون ضامنا لها إن تلفت إلا أن يكون أمره ألا يحملها ولا يتجاوز بها ذلك الموضع أو خاف عليها في حملها. فهذا تفسير قول أصبغ في هذه المسألة، وهو كله صحيح على أصولهم لا اعتراض فيه، إلا فيما ذكرناه في المسألة الأولى.
|